تقول ديباجة الدستور المصري “مصر هبة النيل للمصريين، وهبة المصريين للإنسانية…مصر مهد الدين، وراية مجد الأديان السماوية… نحن المواطنات والمواطنين، نحن الشعب المصرى، السيد فى الوطن السيد، هذه إرادتنا، وهذا دستور ثورتنا…”؛
بفخر كبير خُطت ديباجة الدستور المصري…استحضار قوي للتاريخ وللهوية، لمكانة مصر التي لا يجادل أحد فيها، بمركزيتها الجغرافية وبمركزية مكانتها وعلى أوجه عدة…
حين تقرأ الديباجة، يتملكك إحساس كبير، ورغبة في معرفة أكبر بهذه الدولة، بالوطنية الفياضة التي تلمسهما لدى أبنائها بمجرد ذكر وسمها…
مصر أم الدنيا…هكذا يحلو للمصريين وصف كيانهم، وقوميتهم، ومرجعيتهم الفرعوينة، وحضورهم في كل الديانات السماوية وأغلب الأحداث التاريخية….
دولة بهذا الوصف، وكيان بهذا الامتداد التاريخي، وبهذا الأمل الطامح للعلياء، ليس في حاجة إلى شهود زور، لكي يكتب مسيره، أو يوثق محطات سياسية من تاريخه أو لتشييد مؤسسات جديدة له…
غريب جدا، خبر صاعق، مؤسف، لا يمكن للمنطق أن يستسيغه أو يقبله…التاريخ وناموسه يرفضه…كيف، عصابة البوليساريو ضمن وفد مراقبة الانتخابات بجمهورية مصر العربية؟؟؟
كيان وهمي، سراب قابع في مخيلة صانعه، جمهورية خطت على رمال محت أثارها زوابع متتالية منتظمة، خرقة ترفرف في المكان والزمان الخطأين، واعترافات اقتنيت بعائد الريع مع الأسف….
مصر تنتخب…شيء جيد…مصر تفتح انتخاباتها أمام مراقبين أجانب…جميل…لكن متى كان المراقب للانتخابات لا يؤمن بها؟ ومتى كان مراقب الانتخابات لا يمارسها؟ ومتى كان مراقب الانتخاب، وليد سلطة ترفض الانتخابات إجراء وجوهرا؟ …البوليساريو تنظيم إرهابي، يؤمن بالترويع، وبالبندقية وأداها، و بأكاذيب البلاغات العسكرية…لا مؤسسات له، ولا انتخابات يجريها…مرة يقدم نفسه على أنه دولة، ومرة أخرى حركة، وتارة أخرى جماعة من اللاجئين حالمين بتقرير المصير، في حين أن التقارير الموضوعية تصفه بجماعة إرهابية، جماعة تتجار بمآسي المحتجزين، وجماعة تمارس كل أنواع التجارة المحرمة دوليا، وتقود المنطقة إلى المجهول…
لا البوليساريو ولا صانعوه يؤمنون بالانتخابات، ولا مدنية السلطة، ولا الديمقراطية بتداولها ومؤسساتها…ومع ذلك فالبوليساريو جزء من مراقبين أجانب للانتخابات المصرية…هل تحتاج مصر إلى شهادة من لا أهلية له؟ هل تحتاج مؤسسات مصر إلى خبرة من لا خبرة له؟ هل تحتاج الانتخابات المصرية، باعتبارها انتخابات للإرادات، إلى شهادة مسلوبي الإرادة والقرار؟…أي مصداقية ستكون في النهاية لهذه الانتخابات التي أفسدتها لوثة المراقبة المعيبة؟….
عديدون من مواطنات ومواطني بلدي، لا يرتاحون لمثل هذه الإشارات السلبية التي تبعث بها قاهرة المعز، فذاكرتنا لا زالت قوية، وتتذكر “تمرين مركز القيادة لقدرة شمال إفريقيا”، الذي جمع القيادة العسكرية المصرية، مع زمرة من عصابة الميليشيا التخريبية…لا نريد في كل مرة أن ننبه الجميع إلى ما تمثله لنا الصحراء في جغرافيا وتاريخ وذاكرة الوطن…لكننا لن نبقى مكتوفي الأيدي أمام مسلسل للإساءة، بدأ يكبر ككرة ثلج متدحرجة…
مصر أم الدنيا…عفوا لم تعودي كذلك، لأنك توقفت عن قراءة التاريخ ودراسة الجغرافيا…لأن في كل الأزمنة وفي كل الأمكنة كانت المثاقفة قائمة بين مصر والمغرب الإسلامي فقط…وليسأل من أدخل مصر في متاهات الحسابات الضيقة، عن المغرب، وليسأل في ذلك الدراويش، وقوافل الحج، وعلماء الدين، وشيوخ الطرق الصوفية…وغير ذلك كثير…وإلى حين الرجوع إلى الصواب، وهو بالمناسبة فضيلة…عذرا مَصر…فلم تعودي أما للدنيا…
د. حنان أتركين
عضو لجنة الخارجية بمجلس النواب