هل نعي حقيقة حجم وهول التحديات المطروحة علينا دولة وأمة؟ وهل نستوعب المقروء من التقارير الوطنية حول واقع مدرستنا العمومية، إدارتنا، حكامة ماليتنا، أداء مؤسساتنا…والقائمة طويلة؟ ثم إذا وضعنا هذه التحديات في سياقها العام، ستكتمل الصورة…عالم دون بوصلة، وأزمات متتالية من الغذاء إلى الطاقة وصولا إلى البيئة، احتقان مصطنع على حدودنا الوطنية، وموارد مائية في طريقها إلى النضوب، ودائرة الفقر تزحف لتلتهم ما بقي من طبقة وسطى…
بالحس التوقعي لرئيس الدولة، تم وضع هذه التحديات في قالب شامل، يستوعبها، يفكر فيها باتساق وتكامل…فصيغ النموذج التنموي الجديد، نتاج تفكير جماعي، متعدد المداخل، مقترح لنموذج اقتصادي قادر على الإجابة على سؤال التنمية وتوزيع الثروة وتحقيق العدالة المجالية…هذا النموذج في حاجة إلى مؤسسات تُعمله، إلى نخب تطبقه، إلى أسلوب عمل جديد يستلهم منه، إلى برامج حكومية، تنظر إليه بمنظار خارطة الطريق الطموحة…
لكن قبل ذلك، تظهر حلقة الوعي بالمرحلة، بصعوباتها، بإكراهاتها، بالآمال التي تحملها…فبدون هذا الوعي، لا يمكن لدائرة التفكير أن تشتغل، ولا للسياسات أن تصاغ، ولا البرامج أن تجد طريقا لها إلى التطبيق…هذا الوعي، والوعي به، مغيب في حالتنا، إذ لا زلنا نجتر أخطاء الماضي، ويكفي هنا العودة إلى تقارير المجلس الأعلى للحسابات…وجزء من نخبتنا تفكر بأنانية وبانتظارية قاتلة، والغالب الأعم من مؤسساتنا المنتخبة محليا وجهويا، لا زالت تخوض معارك الأغلبيات والتفويضات واقتناء السيارات الجديدة…وغيرها من التفاهات إذا قيست بسلم الأولويات…والنقاش العمومي يكاد يكون باهتا، في مقابل اهتمام، غير مفهوم، بالإشاعات والإساءات واقتحام الحياة الخاصة للأفراد…
من يتحمل مسؤولية غياب الوعي؟ إعلامنا العمومي الذي لم يعد يشاهده أحد…حكومتنا الغارقة في تدبير مخلفات الماضي وأزمات اليوم والآن…المعارضة التي لا زالت تبحث عن من سيتولى رئاسة “لجنة التشريع” بمجلس النواب…مثقفينا الذين انزوى جزء كبير منهم إلى الوراء، في حين فضل بعضهم الإطلالة عبر قنوات اليوتوب على مشاهدين معدودين لا يقارنون بحجم مشاهدات “روتيني اليومي”…لكن لحظات الوعي بالذات، بالوطن، بمصير الدولة…تظهر، تفجر، يتم التعبير عنها في لحظات التضامن والانتصارات الرياضية، لكنها تبقى قوسا مؤقتا، لحظة عابرة، لا تستطيع العيش والصمود لكي تؤطر قضايا بمصير وطن ورهان أمة…
تحتاج بلادنا إلى جو من التعبئة، من الوعي بإشكالات اليوم…التي لا تقبل الانتظار، وخطاب التسويف، والسخرية وحديث مجالس الشاي والنميمة…تحتاج بلادنا إلى الوعي بالمخاطر التي تحذق بها، تتربص بها، تنتظر سقطة أو سهوا منها…هذا الكلام ليس تهويلا، ولا تخويفا…إن التواصل يتم، والكلام لخبرائه، حول سجلين مختلفين: سِجل الأمل، وسِجل الخوف…هذا الأخير يؤطر ويثر بشكل أكبر…ويمكن لمنسوب الخوف المعقول، أن يفتح الأمل…لأن الأزمات ولادة لفرص الانعتاق…هكذا يقول التاريخ ونواميسه…