*كمال السعيدي
لاحظت بأن جميع المؤتمرات الجهوية التي عقدها حزب العدالة والتنمية مؤخرا أشرف عليها السيد بنكيران بنفسه أي بصفته الأمين العام للحزب.. لقد استطاع الرجل استعادة وضعه في قمة هرم القيادة بعد المؤتمر الأخير ولكن الحزب الذي استلمه ليس هو نفسه الذي كان قد قاده ثم سلمه من قبل..
يبدو الأمر كما لو أن الحزب أصبح فعلا حزب الفرد أو حزب بنكيران، وليس حزب العدالة والتنمية كما تعرفنا عليه وعلى نخبه وقيادييه وجماهيره.. ولا أقصد هنا مسألة الوزن الانتخابي والسياسي فقط ولكن أيضا تلك البصمة التي تميز كل إطار سياسي وحزبي وتمنحه خصوصيته وهويته في المشهد..
لم أتفق يوما مع مشروع العدالة والتنمية بل لعلني على طرفه النقيض، إلا أنني رغم وعيي بمدى محافظة مشروعه وخطورته أحيانا، كنت أقدر دائما وبعيدا عن النزعات الاستئصالية بأنه حزب يتمتع على كل حال بنوع من الحيوية والتنظيم المحكم والعصري على مستوى الشكل وأنه قد يساهم في تنشيط الحياة السياسية وتأطير فئات مهمة من الشعب مقتنعة بمشروعه، وكنت آمل أن يتحول الحزب مع الممارسة إلى تبني قيم أكثر انفتاحا وديمقراطية تخرجه من شرنقة أصوليته..
لكن يبدو اليوم بأن فداحة الخسارة الانتخابية ثم الخرجات الشعبوية لزعيمه الجديد القديم الحريص على الحضور والظهور الدائم في الإعلام والمصر على تنزيل الخطاب السياسي إلى مستويات العروض الفرجوية والشتائمية بشكل لا يليق أبدا برئيس حكومة سابق ولا بمن يدعي الانتماء إلى مشروع يقوم على مكارم الأخلاق ، لا تبشر بذلك ..
برر السيد بنكيران عودته إلى القيادة بمهمة شبه خلاصية وهي إعادة بناء حزب مدمر وإخراجه من أزمته التي قد تعصف به وبوجوده، لكن ما يقوم به في الواقع لن يسهم في رأيي إلا في تكريس مزيد من الانحطاط والخسائر لهذا الحزب الذي أصبحت تهجره نخبه وأصبح يتحول تدريجيا من حامل لمشروع (لا نتفق كلنا معه طبعا) إلى مجرد إطار للتعبير عن الأعطاب والهواجس النفسية والمرضية لزعيمه الذي أضاع فرصة الخروج من مستنقع السياسة بشرف وبما يحفظ به شيئا من ماء وجهه أمام التاريخ..