Ultimate magazine theme for WordPress.

العيد الكبير ومعاناة الفقير

0

عبد الإله شفيشو/فاس

خير ما نستهل به هذا المقال هو ما ورد في حديث نبي الإسلام "مُحَمَّد بن عَبد الله" لما قال:(مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوَادِّهِمْ
وتَرَاحُمِهِمْ وتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى له سَائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والحُمَّى).
لم يعد يفصل المسلمين عامة والمغاربة خاصة عن عيد الأضحى سوى أيام معدودة وفي خضم السعادة التي تكتنف
الجميع يبقى الأطفال الأكثر بهجة بهذه المناسبة فبها يمرحون كل يوم مع أضحيتاهم كل واحد منهم يباهي بأن أضحيتهم
أكبر من باقي أضاحي أصدقائه مستعملا عبارة (حولينا أكبر من حوليكم)، لكن مهلا، مهلا، مهلا ماذا إن عدنا للحديث
النبوي وكسرنا حاجز الفرح هذا من أجل التبصر في صورة أخرى والتي ليست سوى واحدة من بين آلاف الأسر التي
تعاني من الفقر بالمجتمع المغربي ففي الوقت الذي يتباهى به أفراد الطبقات المتوسطة و الغنية بما حملت لهم مناسبة
العيد من أضحيات مليحة نجد أسر أخرى و أفراد الطبقات الفقيرة تعاني في صمت كيف لا وأثمنة الأضاحي تتضاعف
خلال هذه الفترة ويستغلها السماسرة و الشناقة كي يحصلوا على أرباح أكبر غير مكترثين بعجز فقير ولا لهفة كادح و
لا نظرة طفل بائسة لحقه في حياة لائقة.
عندما يقترب العيد في المغرب تتفاقم الأوجاع والهموم على رؤوس الفقراء فتجرح مشاعر وكرامة من لا حول ولا قوة
ولهم عندما ترى أعينهم جيرانهم يبحثون عن خروف العيد لأبنائهم فيهد كيانهم بسبب عجزهم عن إدخال الفرحة في
قلوب أبنائهم هذا هو حال الفقراء طيلة أيام العيد الذين لم تعد جيوبهم تتحمل تفاقم النفقات وغلاء الأسعار تمر عليهم
لحظات العيد بطيئة رتيبة لحظات انكسار وانهزام صعبة جدا ما أثقلها خاصة على ذلك الفقير الشريف العفيف الذي
يأنف أن يمد يده إلى الغير يشعر المسكين بالنقص والذل وهو يلتفت يمنة ويسرة فلا يرى إلا الخيبة أمامه فيمر العيد
عنده كأي يوم عابر لا نكهة له ولا طعم ولا أي شيء يمكن الوقوف عليه سوى أن العيد مناسبة فقط لتعميق جراحه
وفتح أبواب همومه وغمومه على مصراعيها، ينهزم الفقير أمام سؤال ابنه :ما الذي حرمنا نحن من هذا ؟ لماذا هم
سعيدون ونحن لا؟ والذي لا يجد له جوابا فترسم الخيبة على وجهه ويظهر العجز على محياه فيحاول بعض الآباء عبثا
منع أطفالهم من مشاركة أقرانهم أفراح العيد خشية أن يترسخ عندهم شعور النقص رغم أن ذلك يزيدهم شعورا
بالانطوائية والعداء والدونية.
شرع الأضحية وحكمتها:
يكثر سؤال المواطنين المغاربة وخاصة الفقراء منهم للمشايخ والفقهاء عن قضايا متعلقة بهذه الشعيرة هل هي فرض؟
أم هي سنة مؤكدة للقادر عليها؟، لكن الإشكالية الحقيقية في الموضوع هي أن تتحول سنة الأضحى من شعيرة وعبادة
وقربة يتقرب بها إلى الله إلى طقس اجتماعي وعادة مجتمعية بعيدا عن كل أبعادها الروحية ومقاصدها الشرعية
وتتحول كذلك لإكراه اجتماعي يبذل فيه الفقير كل ما يملك حتى لو اضطر للاقتراض و الدوس عن كرامته واذا اقتضى
الحال بيع لحم جسده دفعا لما يمكن أن يلحق بأبنائه من حرج ولما يمكن أن يصله من نبز وغمز من محيطه وجيرانه،
فبدل من ذلك التماهي مع تصورات المجتمع وثقافته أن نرفع الوعي ونصحح التصورات بشأن الفهم السليم بخصوص
الأضحية واعتبارها سنة لا يأثم تاركها بل نؤكد على ضرورة الخضوع للأولويات وبناء الاختيارات خاصة حين يزدحم
وقت العيد الكبير مع التزامات أسرية لا بد منها، فليس شراء أضحية العيد وصرف المال فيها بأولى من صرفه في
شراء الكتب المدرسية التي يتعلم بها الأبناء ويرفعون بها الجهل وينمون بها قدراتهم المعرفية خاصة ونحن على
أبواب الدخول المدرسي وتبعاته ومصاريفه فلا شك أن هذه أولى وأحرى بصرف المال من صرفه على لحم يؤكل ونار
توقد.
لقد حثت الرسالات السماوية المختلفة والقيم الإنسانية على أهمية الاعتناء بالفقراء ورفع مكانتهم الاجتماعية وتحسين
أوضاعهم الاقتصادية خاصة في المناسبات الإنسانية والدينية التي يجب على الجميع أن يفرحوا فيها معا ولعل أبرز هذه
المناسبات الأعياد، وهنا لابد من أن نسلط الضوء على أبرز واجبات الدولة تجاه الفقراء خاصة خلال الأعياد وهي إيلاء
العناية الرسمية والحكومية بالفقراء والأيتام بتخصيص مخصصات مالية لهم تسد احتياجاتهم وتشعرهم بأنهم جزء من
المجتمع، حتى الاقتصار على المعونات الفردية التي تقوم بها الجمعيات الخيرية دون وجود دعم حكومي حقيقي لن

يفي الفقراء حقهم بل يفرز التفرقة بين فقير وفقير بذرائع واهية لا قيمة لها فالفقر لا يميز بين شخص وآخر وآثاره
السلبية تعم الجميع وقد تطال غير الفقراء أيضاً.
إن فكرنا يوما بأن نشعر قليلاً بإحساس الفقير يوم العيد هو عندما نفقد حبيب أو قريب لا محالة سـنبكي ونبكي ونبكي
وسوف نتمنى ليته يعود ذلك الحبيب أو القريب، فهؤلاء الفقراء كل سنة يفقدون فرحة العيد وكل عام وهم يبكون
ويبكون ويبكون وحالهم يقول: بأي حال عدت يا عيد ؟؟؟.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.